(القصة54)
سار ذات مرة الشاعرالملاعبود الشبيلي مع صديقه الشاعر حمزة قاصدين مناسبة ما،فأصابهماعطش شديد ومرا ببئر قريب ،وصادف ان كانت هناك فتاة بدوية بارعة الجمال فسقتهما الماء وحين شربا اشتركا بنظم بيت شعري من الأبوذية قال الملا عبود الشطرين الأولين:
يحمزه ابجرح دلالـــــي تشل شل
العسل من شفته ابريجي تشل شل
فأكمل الشاعر حمزة البيت الشعري
نراه ابهيبة المستر(تشل شل)*
استعد وأصطف نظم قبل التحيه
* يقصد ( تشرشل) رئيس وزراء بريطانيا الأسبق
(القصة55)
صادف ذات يوم الشاعر حرجان الشدود وهو في طريقه فتاة جميلة ،فلم يستطيع صبرا على كتمان عواطفه ،فخاطبها قائلاً:
وحك الي تعبده الأنس ويــّان
هدومي من عليه اليوم ويّان
وي وي ليش تمشي مرح؟
فقالت له الفتاة متحدية .. (ويّان)
ثم اردفت ، لتكمل البيت الشعري
وكيل انته إعله ارض الله السعيه ؟؟
(القصة 56)
تولدت للشاعر المعروف أبو معيشي الرغبة في السكن في مدينة الزبير لوحده،تاركا عائلته في مدينة سوق الشيوخ ،فسكن هناك نزيلا في فندق القمر ، وذات يوم دعته الحاجة الى ان يستلف مبلغ نصف دينار من رجل كان نزيلا معه بنفس الفندق ،فلم يلبي ذلك الرجل طلبه ، عندها ندم الشاعر ابو معيشي على ترك اهله ومدينته وناسه الذين يقدرون مكانته بينهم،مستذكرا ايام الطرب التي كان يحضرها ،فكتب للشاعر حمدي الحمدي واصفا نفسه بـ (العبد) بسبب لونه الأسود حيث يقول:
انصبوا للعبد ماتــــم وعازه
بسبب لن دومه ابشده وعازه
ليالي الطرب فاتنـــــه وعازه
تضل بعلاج روحي على المنيه
(القصة 57)
دندوشه
في زمن ناصر باشا السعدون مؤسس مدينة الناصرية ،و في العام 1885 تقريبا اشتهرت هناك قصة حب واقعية بطلتها (دندوشه) او دنادش كما يود الشاعر السيد( محسن السيد نعمة الجابري) ان يسميها في الغالب.تلك الفتاة التي استلهم منها اعذب اغانيه وكتب فيها(999)بيتا من الشعر وعندما سُئل لماذا لم تكمل الرقم الى الألف؟قال اني ارى الرقم(999) اكبر باللفظ من الألف .فمن هذه الفتاة؟
انها فتاة جميلة جدا تدعى (دندوشه) جاء بها والدها بعد ان ابعده الشيخ ناصر الأشقر عندما كان للأخير الحكم في امارة المنتفق او(المنتفج)ابعده من منطقة الشطره الى العمارة وقد اشار عليه البعض بالسكن بالقرب من السيد محسن لكون الأخيرهو ابن خالة الشيخ ناصر، كما يتمتع بنفوذ ومكانة اجتماعية بين الناس حيث كان مهاب الجانب لدى الخاصة والعامة وليحتمي والد دندوشه بظله وحمايته.فاقام هناك اربع سنوات ونتيجة لتلك الظروف وهذا التقارب كانت هناك علاقة ودية بينه وبين الشاعر السيد محسن حيث ان نساء وخدم السيد محسن يقمن بزيارة بيت والد دندوشة وقد نقلن صفات دندوشة وماتتمتع به من جمال ألى مسامع السيد محسن فكان ذلك سببا في دخول هوى دندوشة الى قلبه.
وكما قال الشاعر العربي بشار بن برد
ياقوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا
هكذا تمكن هوى دندوشة من التحكم بعاطفته حتى جعله هائما لايستقر له حال ومما زاد من عشقه لها وبحكم العادات والتقاليد كأبناء الريف انه لايستطيع رؤيتها ،ولكن هذا لايمنع الشاعر السيد محسن من البوح بهذا العشق ..فكتب فيها الأبيات الشعرية والتي حفظها الرجال وتغنت بها النساء مما ذاع صيته بين القبائل فنصحه معظم الناس بالكف عن هذا العشق خوفا على مكانته الأجتماعية.وخصوصا أبناء عمومته فلم يسمع ذلك من الجميع ،ثم تمر الأيام ثقيلة عليه فيتقدم ليخطبها من ابيها . ولكن اباها رفض الطلب جريا على عادة العرب في السابق حيث لايزوجون البنت عندما تشاع الأخبار عن علاقتها بشخص آخر وذلك لأثبات عذريتها.
وقد أدى ذلك ألى تمسك السيد محسن بمحبوبته فأصبح هائما لايهدأ له بال ولايستقر له حال واصفا ذلك في هذا البيت الشعري..
بيا وادي تنابيني وناوين وأنا أين
تون دندوشه ابشوكي وناوين وأنا كذلك
اهلها اشلون رادتهم وناوين ماهي نيتهم؟
حجولي بالكطع وأكطعوا بيه
******
وقد تزوج في حياته ثمانية نساء ، كانت ثلاث منهن قبل ان تدخل دندوشه حياته وكانت من بينهن زليخة أخت الشاعر حسين العبادي وهو الرائد في شعر الأبوذية ، وقد عاتبته ذات يوم عندما رأت منه الأعراض عن زوجاته والأنشغال بدندوشه ،فأجابها:
لهلجن ياحطاري البر لهلجن
عليجن لاأكطع الفيه لهلجن
جغاسي خوذي زليخه لهلجن
عواد ومابجن وحده طريه
ثم عاش فترة من الزمن منعزلا عن الناس جاعلا من حب دندوشه سجنه الجميل وعذابه سجانه فكتب يقول..
حبيبــي دك بذرعانه ولجتاف ألأكتاف
بضلعي كاسر اللبي ولجتاف (اللبي والأكتاف أجزاء فالة الصيد)
رضيت بحبس دندوشه ولجتاف ألكتاّف
وهي سجانتي وتفتر عليـــــــه
وذات يوم خرجت دندوشه من بيت أبيها يحيط بها الخدم قاصدة الى بيت رجل صابئي بالقرب من دارها لشراء قطعة ذهبية(حجل) فشاهدها السيد محسن لأول مرة في حياته فقال لمن حوله مشيرا لها.أن هذه دندوشه بلا شك.وما أن سمع الجواب بـ (نعم) حتى سقط مغشيا عليه .فشاهدت دندوشه حركة الرجال حول السيد محسن جاءته مهرولة حتى وقفت عليه ودموعها تجري على خديها .ففتح عينيه وكأنه أحس بوجودها فقال بلوعة وألم..
صبي يادمـــــــوع العين صبي
على خشف الطلع من بيت صبي
لوني موش مسلم صرت صبي
وصوغ احجول دندوشه بديه
ثم وفي موضع آخر يقول:
يعين الريم يالمارج من أحذاي
سهيت وفلتن أجدامي من أحذاي
بجيت آنه وبجه جاري من أحذاي
وبجت حتى (جغاسي) الصالحيه جغاسي :زوجته الثانيه
وفي أحدى ألليالي التي لم ير فيها طعم النوم قال معاتبا محبوبته(دندوشه)
من مثلي يون بالكون ونتام أنين تام
بس آنه وجثير الويد ونتام أصبح بيني وبينه أنتماء
علي نومي ايتنغص دوم ونتام وأنتم
سرت بعيونكم نومه هنيه
واصبح ذات يوم مبكرا فشاهد الابل بالقرب من بيت والد دندوشه وهي تستعد للرحيل وقد قام الرجال بوضع الواح من الخشب على ظهر الابل تسمى (حيازة ) فنادى الشاعر السيد محسن على رجل يقوم بخدمته اسمه ( شاطي )
يشاطي الزمل برك حيزوله وضعوا له الحواجز
كلوب الرحم كلت حيزوله يحجزونه
هم يكبل واكولن حيزوله ( الزول) الشكل
هله يالحاشك الباري عليه
ولما اخبره شاطي بانهم يريدون الرحيل الى البصرة التي تسمى آنذاك الميناء , نزل هذا الخبر على قلب وعقل السيد محسن نزول الصاعقه , وفي هذا الوقت كان يمسك بابريق فيه ماء ينوي اداء فرض الصلاة فضل ماسكا بالأبريق سائرا خلف الأبل ينشد الشعر وهويخاطب قائد الابل ( الحادي )
يحادي الضعن ريض وانه اسلكم اسألكم
اريد ارفج معاكم وانـه اسلـكم سلوة لكم
تره تسلون حيلـي وانه اسلكم اصيبكم بمرض السل
هوى البيكـم تنـشه وماتهيه
للميناء اكـد غـوجي ولاعن له اقصد
لحين اينوحـن اعلـيه ولاعن من اللوعه
بارض المنتفج لااسكن ولاعن لااستقر
دندوشه مشـت وشـبعد ليه
محنه مامـحن غيـري محنه المحنه
سبيب اشكر على متونه محنه الحناء
لون بكـلب دندوشـه محنـه العاطفه
جامـن غـربت وصت عليه
ثم اراد ان يؤرخ يوم الرحيل لما له من وقع في نفسه
تحب روحي ترافجهم وتسعه السعي
غرامك الم بجـرحي وتسعه الاتساع
سنة الف وثلث ميه وتسعه
بربيع اول ضعنهم كطع فيه 13.9 هـ
عاش الشاعر السيد محسن بعد رحيل محبوبته دندوشه الى ارض البصرة اصعب ايام حياته كان شارد الذهن لايسقر له حال , يلاحقه خيال دندوشه وصورتها لاتفارق عينيه وكان اول خبر يصل الى مسامعه وهو زواج دندوشه وقد رزقت بولد من زوجها فكتب يقول :
تهدي مـن نسيـم الـريح يابت
ومن كلبي انكطـع بتيـن يابت
من كالـوا دنـادش ولـد يابت
كلت هالحين صارت موش اليه
ثم عدل عن رايه قائلا في نفسه ليس من الوفاء ترك هوى دندوشه والتخلي عنها
لفه خطج يدنـدوشـه وتـاني اتى اليه
ومن حيلي انكطع حبل الوتاني الوتين
اضل انطـر لبـت بتـج وتاني انتظر
وبلكت من بزرها ايحن عليـه
وهكذا ختم الشاعر السيد محسن حياته بعد ان ترك تراثاً ضخماً من شعرالأبوذية مطبوعاً في ذاكرة الزمن تحتفظ به ذائقة المحبين للأدب الشعبي، رحل تاركا بصمات واضحة في سجل المبدعين كأحد أبناء جيل الرواد الذين انجبهم رحم مدينة سوق الشيوخ...
منقول عن ابناء سوق الشيوخ