السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قراءة كتاب الصحفي والروائي الفرنسي "دينيس روبرت" المعنون "السيطرة على العالم"، تثير في الذهن أسئلة محيّّرة بشأن ثروات دول النفط العربية. الكتاب هو خليط من الخيال الروائي وحقائق الواقع، ولا يستطيع القارئ أن يتأكد أين يبدأ الخيال وأين ينتهي الواقع، فالمؤلف يتناول موضوع الفساد في مؤسسات المال الدولية بشكل روائي ويحكي قصة صحفي يكتشف وجود مؤسسة استثمارية في لوكسمبورج تستلم يومياً تحويلات عن طريق بنوك العالم تقدر بمليارات الدولارات فتحيلها عن طريق التلاعب بنظام تسجيل هذه الأموال على الكمبيوتر إلى أرقام سرية متشابكة تدخل تلك التحويلات في ظلام معلومات دامس يجعل من المستحيل على أي فرد أو جهة مراقبة أو حكومة معرفة مصير تلك الأموال أو الطريق الذي سلكته لاحقاً.
بمعنى أن هذه التحويلات البنكية الهائلة، تصبح في ساعات وكأنها لم توجد في الواقع على الإطلاق وليس لها مالكون أصليون. تلك التحويلات المالية هي في أغلبها تعود إلى متعاملين بتجارة البغاء والمخدرات والأسلحة أو إلى المافيا أو ناهبي ثروات بلدانهم إبان فترات حكم التسلط والفساد وغياب الشفافية. وتنتهي القصة بفشل بطلها الصحفي في إقناع أحد بأهمية اكتشافاته، سواء أكانت صحافة أم مؤسسات قضائية أم قوى سياسية معارضة.
الكل يقف مرعوباً أمام جبروت المال المهيمن على العالم. مؤلف الكتاب هو بالفعل صحفي في جريدة "ليبراسيون" الباريسية ومسؤول عن صفحة المال والاستثمار فيها. لكن الحقائق التي يعرفها الصحفي ويتابعها، تختلط بالخيال الروائي الذي ربما أراده حماية لنفسه من كل أنواع المساءلة.
ومن بين الذين يحوّلون تلك الثروات الهائلة إلى الظل، حيث تختفي آثارها كلياً، أسماء شخصيات ومؤسسات وبلدان عربية ومسؤولون حكوميون كبار في تلك البلدان... من هنا مشروعية تساؤلنا بل وجوب طرحه.
فأولاً ؛ لا يوجد شك في أن تحويلات مالية هائلة تتم يومياً من بعض الدول النفطية العربية إلى الخارج. والمحوّّّلون كثيرون: مسؤولون كبار وصغار من مختلسي الثروات أو من الضالعين في صفقات شراء الأسلحة، أو مغامرون من المتلاعبين بأسعار الأسهم والأراضي، أو مستفيدون من التعاون مع مبيضي الأموال ومافيا أوروبا الشرقية وتجار المخدرات والرذيلة... وغيرهم. هؤلاء لا يحتاجون إلى أكثر من بنك محلي أو دولي متعاون، ومسؤولين حكوميين يغضون الطرف، وبنوك ومؤسسات دولية تستلم التحويلات وتحيلها إلى أرقام سرية تختفي في ظلام رأسمالية النهب والفساد وتواطؤ العولمة الجديدة.
ثانياً، إن في البلدان العربية المغلوبة على أمرها، تغيب كل رقابة ومحاسبة، فالمجالس النيابية إما صورية أو مزورة أو مشتراة، ودواوين المحاسبة تحت سيطرة السلطة التنفيذية، والقضاء غير مستقل بل مخترق في أغلب الأحيان، والدور الرقابي للصحافة وأحزاب المعارضة السياسية، كسيح أو شبه معدوم!
وثالثاً ؛ إن دولاً كثيرة تعتمد في استقرار اقتصادها وعملاتها الوطنية على تدفق مثل تلك الأموال إلي أسواقها بصورة منتظمة. فالولايات المتحدة الأميركية مثلاً، تحتاج إلى تحويل ما بين 2 و3 مليارات دولار يومياً إلى أسواقها، كي تحافظ على استقرار عملتها، ولتتمكن من دفع ديونها الخارجية، والإنفاق على مغامراتها العسكرية. ومن المؤكد أن جزءاً من هذه الأموال هو من أموال الحرام والنهب والتبييض!
وذلك ما يجعل انتقال الأموال العربية، الشرعية وغيـر الشرعية، جزءاً من لعبة دولية كبرى لها أسرارها وخباياها.
والسؤال الآن: كم من الأموال العربية ، النفطية وغير النفطية ، تؤول إلى أرقام سرية وكأنها لم توجد قط؟ صورة الفاجعة تكتمل بأنه في الوقت الذي يزداد عدد الفقراء العرب، تكبر وتكبر تحويلات أموال وطن العرب إلى خزائن مؤسسات الاستثمار المشبوهة، لتضيع ربما إلى الأبد. هل لنا من أفراد أو مؤسسات يمتلكون القدرة والشجاعة لمتابعة موضوع النهب المنتظم لثروات العرب وأقوات فقرائهم؟ . " علي محمد فخرو عن صحيفة الحقائق 20/9/2007 "